الحياء خلق الإسلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ....)(الأحزاب:53)
إلي قوله -تعالى-: (... فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(الأحزاب:54),
نداء إيماني يدعو أفئدة المؤمنين أن تمتلئ حياءً من الله -جل وعلا-.
والحياءُ مشتق من الحياة وهو أعز ما فيها,
وقد عرفه الجنيد بأنه: (رؤية النعم والآلاء ورؤية التقصير بينهما), فيتولد من ذلك حالة تسمي الحياء.
وقد دعانا -تعالى- إلي التحلي بهذا الخلق الرفيع قائلاً: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (لأعراف:26),
قال ابن عباس: (لباس التقوى الحياء).
وهذه ثمة أحاديث تؤزنا على ذلك الخلق النبيل.
يقول -عليه الصلاة والسلام- : (لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء).
(ما كان الفحش في شيء إلا شانه ولا كان الحياء في شيء إلا زانه الحياء).
(الحياء والإيمان قرناً جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر,الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة).
وقال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وقال الحياء لا يأتي إلا بخير).
وقالالحياء كله خير).
ولما قال له رجل: (أوصني) قال له: (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الجل الصالح من قومك).
علم الصالحون الأول والصالحات قيمة الحياء فكانت لهم معه تلك الأعاجيب تقول عائشة -رضي الله عنها-: (كنت أدخل البيت الذي دُفن فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متخففة من الثياب وأقول إنما هو زوجي وأبي, فلما دُفن عُمر بجوارهما تقول: والله ما دخلت إلا مستترة مشدودة على ثيابي حياءً من عُمر), وعُمر يومئذ تحت التراب دفيناً, فيا لله العجب.
وتلك امرأة أخرى تصرع وتتكشف فتصبر على الصرع ولا تجد لها صبراً على التكشف الذي يعتريها رغماً عنها.
أين وقاحة الغرب والتبرج من حياء تلك المرأة التي سقط برقعها فاستعظمت أن يظهر وجهها ولو للحظات عابرة, فجعلت تستر وجهها بكف وتتناوله بالأخرى, فسطر شاعر الناس يومئذٍ هذا قائلاً:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
هذا والحياء أنواع شتى وصنوف متعددة إلا أن أرقى أنواع الحياء من النفس.
قال بعض السلف: (من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده وقار).
ومن الحياء الحياء من سؤال غير الله:
كان لبعضهم فرس خرج به في سفرة له فمات الفرس فقال الرجل: (اللهم لا تجعل لأحد علي منة, فإني استحي من سؤال غيرك), وعلم الله صدقه فأحيا له فرسه حتى إذا ركبه ورجع به إلى أهله وأراد غلامه أن يأخذ بلجامه قال صاحبنا: (دعه يا بني فإنه عارية) فخر الفرس ميتاً بعد أن أدى مهمته.
ومن الحياء حياء الجناية:
وهو أن تستشعر حالك وأنت ماثل أمام الله -تعالى- ملطخاً بالأوزار, ويا له من موقف تزلزلت له قلوب العارفين.
فهذا الفضيل بن عياض يرى جموع الحجيج في عرفات فيتذكر بجمعهم يوم الجمع فيقبض على لحيته قائلاً: (واسوأتاه منك وإن عفوت), وصدق ونصح -رحمه الله- وإلا فأخبرني بربك بأي قدم سنقف بين يدي الله؟! وبأي وجه سنلقاه إذا وافيناه مذنبين عراة من التوبة.
إذا ما قال لي ربي أما استحييت أن تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني
فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني
وإذا كان المذكور سلفاً هو الحياء المحمود فهناك حياء مذموم، بل ليس بحياء ولكنه عجز وخور.
فمن ذلك أن يستحي الرجل لوجاهة أو لكبر سن أو لغير ذلك أن يسأل من دونه ويؤثر أن يبقى في ظلمات الجهل, وصدق مجاهد -رحمه الله- حيث يقول: (لا يتعلم العلم مستح أو متكبر).
ومن الحياء المكذوب:
أن يقرض رجل غيره مالاً ثم يستحي بزعمه أن يُوثق هذا الدين أو يشهد عليه, وقد قال- الله تعالى-: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ)(البقرة: من الآية282), وهذا مهما دعا على ظالم أكل حقه فقد لا يستجاب له لأنه الذي فرط في حقه.
وإذا كانت إيصالات الأمانة والشيكات لا تغني عن أهلها شيئاً في كثير من الأحيان فكيف إذا عُدِمَت؟!
ومن الحياء المكذوب:
أن ترى حرمات الله تنتهك فتؤثر السكوت حياءً من الناس وهيبة لهم, وهذا وباء وسم قاتل حذرنا منه -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق علمه أو شهده أو سمعه).
وقال عبيد بن عمير: (آثروا الحياء من الله علي الحياء من الناس ).
اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
وصلي الله على النبي, والحمد لله رب العالمين.
منقول لكم من
موقع طريق السلف